الراي نيوز -  إذا هزمت طهران ، وتم تغيير النظام ..ماذا سيحدث ، حتما ستخاف الباكستان تركيا هي الأخرى ، ستقع في مستنقع القلق ، والصين ستضعف ...
لقد طرحوا قصة إسقاط النظام في البداية ، ثم تراجع نتنياهو عنها ..لأنهم يدركون أن سقوط النظام الإيراني سيطلق يد إسرائيل وبالتالي ستستعمل لإسقاط أي نظام في الشرق الأوسط ...والتراجع عن هذا الأمر هو فقط لطمأنة جيران إيران .
ما يقلق إس رائيل أن الجيل الذي يقاتل الان في طهران هو الجيل الذي ولد في عهد الخميني ، بمعنى أن من ولد عام (1979) ..عمره الان (45) عاما ، وهؤلاء هم عصب الحرس الثوري والباسيج والجيش الإيراني ، هؤلاء لم يعرفوا نظاما غير نظام الخميني ونظام الإمام الخامنئي ، تربيتهم عقائدية ..تعرضوا لموجة من غسل الدماغ بحيث أصبح ولاء الجزء الأكبر منهم للمرشد حالة مرتبطة بالدم . 
البعض يلوم إيران ويقول لو أن الأموال التي أنفقتها على الثورة ، ووجهتها لدعم أذرعها التوسعية في المنطقة ، أنفقتها على الإقتصاد والمشاريع التنموية فماذا سيكون الحال الإيراني ..؟حتما ستكون إيران هي الصين الثانية ، والإقتصاد القوي لأي دولة أهم من ترسانة نووية كاملة ...
حسنا ، القتال ليس مع إيران فقط ، القتال الان مع العالم الشيعي ..فشيعة باكستان ينظرون للمرشد الأعلى بأنه المؤتمن على المذهب (الأثني عشري) وبأنه الأعلى رتبة في الحوزة ، وله حصانة وقداسة في الذهن ...كل شيعي في محيط إيران سيعتبر المساس بالمرشد جزء من استهداف المذهب .
هذا السبب أيضا جعل أمريكا تتراجع هي الأخرى عن اغتيال المرشد أو تصفيته ... والسؤال ماذا ستكون النهاية ..؟
البرنامج النووي الإيراني ، لايشكل ضرورة للسيادة في إيران بقدر ما كان وسيلة ابتزاز للغرب ، من أجل تخفيف العقوبات ، ولو أن الأمريكان أعطوا مجالا للمفاوضات لخفضت إيران نسب التخصيب ، ولقبلت بمبدأ التخصيب في الخارج ...الإيرانيون وضعوا برنامجهم في زاوية والعقوبات كانت هي المبتغى ، لكن ما حدث أن الأمريكان حين استدركوا الخطة الإيرانية ، انسحبوا من المفاوضات ..وقرروا الحرب ، متذرعين بالبرنامج النووي ..
إيران دولة وحضارة ضاربة ، والجيل الجديد فيها تربى على العداء للغرب ..وحتى لو تخلى المرشد عن صلاحياته ، حتى لو تم تغيير شكل النظام ، فإسرائيل حتما لن تنجح في التطبيع مع الإيرانيين ...ولن تجرؤ على زج إيران في مشروعها ، من يعيش الأزمة الان هم اليهود للأسباب التالية :
أولا : لم يعتد الجمهور اليهودي على رئيس في إس رائيل يمسك كل شيء بيده ، بحيث تحول النظام في إس رائيل إلى شمولي ديكتاتوري مستبد ، صاحب نزعة راديكالية ويشبه في استبداده طريقة موسوليني في الحكم ..نت نياهو لايختلف عن موسوليني أبدا ، في النزق والدعاية والمبالغة بالقوة ...الفاشية الإيطالية هي ذاتها اليمين في إس رائيل .
ثانيا : إس رائيل لايوجد فيها مشروع ثقافي أو اجتماعي أو حضاري ..إسرائيل لا تملك أوركسترا ، لاتملك وجبة شعبية واحدة تمثلها ، لاتملك تراثا ..لاتملك حتى حرفا تقليدية ، هي عصابة متطورة أخذت شكل دولة ..بالمقابل تاريخ صناعة السجاد في إيران ..أكبر من تاريخ الحركة الصهيوينة ، واقتصاد السجاد وحده أنتج لإيران موروثا عالميا ، أكثر من كل ما أنتجته إس رائيل منذ تأسيسها ...هذا يعني أن الإرث العسكري حتى وإن تفوق في لحظة ما ..فمن المستحيل أن ينتصر على الإرث الحضاري .
ثالثا : دول المنطقة ذاقت الأمرين من المشروع الإيراني ، ومن المشروع الصهيوني ...المشروع الإيراني هو توسعي عقائدي إقصائي وراديكالي بالمطلق ..بالمقابل المشروع الإس رائيلي هو فاشي ، دموي ، يهودي ...شرس بالمطلق ، وما يحدث هو حرب ولاية الفقيه في مواجهة اليمين المتدين ...إيران تستطيع تشذيب مشروعها لأنها أنتجت الرئاسة الإيرانية ، فبمجرد تخفيف صلاحيات المرشد والتخلي عن المشروع النووي ..ستعود للمنظومة ، لكن إيران كدولة وحضارة وحدود وتاريخ مهما قمت بقصفها أو تدميرها لاتستطيع أن تقسمها أو أن تلغي وجودها ...بالمقابل إس رائيل في حال انتهاء اليمين المتطرف فيها وعودتها للعلمانية ، فهذا سيضع مصير المستوطنات في ألف سؤال ...هذا أيضا سيؤدي إلى تفسخ مؤسستهم العسكرية ...فبعد اغتيال رابين تحول جيشهم من جيش يخوض الحروب دفاعا عن الدولة ..إلى جيش يخوض الحروب دفاعا عن يهودية الدولة ..
إس رائيل لم تستطع للان إدخال (الحرديم ) في جيشها ، بالمقابل في إيران الكل يقاتل ..الأذربيجاني ، الكردي ، العربي السني ..الكل دخل تحت مظلة العلم ...حتى وإن كان يمتلك خلافا مع ولاية الفقيه ، لأن الحضارة الإيرانية والتاريخ الإيراني كذلك أعلى ويستحق التضحية.
بعد انتهاء الحرب ستلملم إيران جراحها ، ستجري إصلاحات سياسية عميقة ، ستتحلل من سلطة المرشد القوية وستبقيه رمزا للثورة والدولة ..لكنها ستبقى إيران الدولة المحورية والقوية ....بالمقابل إس رائيل ، ستدخل في صراع داخلي عميق ...المتطرفون الذين قتلوا رابين هم ذاتهم سينقلبون إلى علمانيين وسيقتلون نتنياهو ..ذات اليد التي قتلت رابين يد (ايغال عامير) هي ذاتها من ستصفي نتنياهو ...
إس رائيل لايوجد فيها هوية ، لهذا لجأت لليهودية ..لأن أقوى أشكال الهوية هي الدين ..لجأت لذلك من أجل انتاج هوية وصورة للدولة وحالة ملهمة لسكانها ، وستكتشف أن هذا الأمر كان مكلفا عليها ..وستفكر بالعودة إلى مرحلة رابين ، وطريقة حكمه ..وشكل حروبه ، وكيف أنتج اتفاقيات مع العرب ...
إيران بعد انتهاء الحرب ستكون مثخنة بالجراح ، لكن إس رائيل ستكتشف أنها بلا يد ..لأن صدام المشاريع في المنطقة ، لايعني أبدا شطب دولة ، أو انهاء حضارة عمرها (6000) عام ...بالمقابل الطرف الأكثر هشاشة هو الذي تطور من عصابات إلى شبه دولة ، ومن ثم إلى مجموعات دينية تقود مشروعها باسم خزعبلات تمت روايتها قبل ألوف السنين ...
الحضارة لا تهزم ، والحضارة لا تشبه الأساطير الوهمية والخزعبلات ...ثمة فارق بين كسرى ، وبين ثيودور هرتزل ..بين مؤسس وكالة وبين صانع حضارة ...
عبدالهادي راجي